خواطر ايمانية

عمرو بن العاص داهية العرب ..صحابي وصاحب رأي وفكروقائد جيوش المسلمين لفتح مصر

عمرو بن العاص السهمي القرشي الكناني كان قصير القامة، قوي البنية، مرن الأعضاء تعود جسمه احتمال المشقة، وقد ساعده ذلك على أن يبرز في أفانين الفروسية والضرب بالسيف ..وكان خطيبا بليغا محبا للشعر ويطرب له ..وكان داهية من دهاة العرب، وصاحب رأي وفكر، وفارسا من الفرسان، أرسلته قريش إلى الحبشة ليطلب من النجاشي تسليمه المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة وإعادتهم إلى مكة لمحاسبتهم وردهم عن دينهم الجديد فلم يستجب له النجاشي..دخل الإسلام في السنة الثامنة للهجرة بعد فشل قريش في غزوة الأحزاب، وقدم إلى المدينة المنورة مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مسلمين بعد مقاتلتهم الإسلام..
وكانت أولى المهام التي أسندت إليه عقب إسلامه، حينما أرسله رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ليفرق جمعا يريدون غزو المدينة المنورة، فسار عمرو على سرية "ذات السلاسل" في ثلاثمائة مجاهد، ولكن الأعداء كانوا أكثر عددا، فقام رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيسا على الجميع فقبل أبو عبيدة، وكتب الله النصر لجيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وفر الأعداء وبعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وسلم" وفي خلافة أبي بكر، قام بتوليته أميرا على واحد من الجيوش الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لفتحها، فانطلق عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس ثلاثة آلاف مجاهد، ثم وصله مدد آخر فأصبح عدد جيشه سبعة آلاف مجاهد، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية وذلك عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلب على جيوش الفرس، وبناء على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معا على أن يتولى كل قائد قيادة الجيش يوما من أيام المعركة، وبالفعل تمكنت الجيوش المسلمة من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم وتم فتح بلاد الشام
انتقل بعد ذلك عمرو بن العاص ليكمل مهامه في مدن فلسطين ففتح منها غزة، سبسطية، ونابلس ويبني وعمواس وبيت جيرين ويافا ورفح..و عندما تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، فاتحه عمرو في أمر فتح مصر أكثر من مرة، حتي وافقه عمر . فسار بجيش مكون من 4 آلاف رجل و عبر بهم من فلسطين إلي العريش و مر ببئر المساعيد حتي انتهي إلي الفرما و هي ميناء صغير علي البحر يسمي عند الروم Pelusiun و تقابل هناك مع حامية روميةـ و دار قتال شديد حتي انتصر المسلمون، ثم واصلوا السير إلي داخل مصر حتي وصلوا إلي بلبيس في دلتا مصر في مارس 640 م / ربيع أول 19 هـ .
وفي بلبيس تقابل جيش المسلمين مع جيش الروم و انتصر المسلمون بعد قتال دام شهر و استولوا علي بلبيس ثم تقدموا إلي حصن بابليون. و كان الحصن شديد المنعة فيه حامية رومية كبيرة ، فارسل عمرو بن العاص يطلب مدداً من الخليفة عمر بن الخطاب..فأرسل له أربعة آلاف رجل و علي رأسهم أربعة من كبار الصحابة هم الزبير بن العوام و مسلمة بن مخلد و عبادة بن الصامت و المقداد بن الأسود. فتسني لعمرو بن العاص ترتيب صفوفه و اتجه لملاقاة جيش الروم الذي كان يقدر بـ20 ألف جندي. و تقابل الجيشان في موقعة كبري هي عين شمس عام 640 م / 19 هـ ، و انتصر عمرو بن العاص انتصاراً كبيراً ، و فر من بقي من جيش الروم إلي داخل حصن بابليون.
ثم توجه عمرو بن العاص بجيشه إلي حصن بابليون و حاصره 7 أشهر متواصلة . فأرسل المقوقس إلي عمرو بن العاص يفاوضه يعرض فيها عليه مبلغاً من المال نظير رجوع المسلمين لبلادهم ، و لكن عمرو بن العاص رفض و قال له ليس بيننا و بينكم إلا ثلاث خصال : الإسلام أو الجزية أو القتال .فأشار المقوقس علي الحامية الرومانية التسليم والصلح، و لكن الحامية رفضت و كذلك الإمبراطور الروماني هرقل الذي قام بعزل المقوقس عن حكم مصر، فتجدد القتال و شدد المسلمون الحصار علي الحصن ، و في أبريل 641 م استطاع الزبير بن العوام تسلق سور الحصن و معه نفر من جند المسلمين و كبروا، فظن الروم أن العرب اقتحموا الحصن فتركوا أبواب الحصن و هربوا إلي الداخل، فقام المسلمون بفتح باب الحصن، و استسلم الروم و طلبوا الصلح فاجابهم عمرو بن العاص سنة 641 م / 20 هـ.
بعد سقوط حصن بابليون فقد الروم معظم مواقعهم في مصر، و لكن مازالت عاصمتهم المزدهرة الأسكندرية في أيديهم. ولقد رأي عمرو بن العاص أن مصر لن تسلم من غارات الروم طالما بقيت الأسكندرية في حوزة الروم، فاتجه بجيشه إلي الأسكندرية و فرض عليها حصار بري استمر لمدة أربعة أشهر، ولكن هذا الحصار لم يكن مجدي لأن المواصلات بينها و بين الإمبراطورية الرومانية عن طريق البحر ظلت مفتوحة لولا موت الإمبراطور الروماني و حدوث فتن و اضطرابات عمن يخلفه.
فقرر عمرو بن العاص اقتحام المدينة و عهد إلي عبادة بن الصامت بذلك ، فنجح في اقتحام المدينة بجنده، و جاء المقوقس إلي الأسكندرية ووقع علي معاهدة الأسكندرية مع عمرو بن العاص سنة 642 م / 21 هـ ، وكانت تنص علي انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر و جلاء الروم عنها و دفع الجزية للمسلمين دينارين في السنة عن كل شخص و إعفاء النساء و الأطفال و الشيوخ منها. و كان تعداد مصر في ذلك الوقت من ستة إلي ثمانية ملايين قبطي علي أرجح الأقوال. و كان عدد من تجب عليهم الجزية من مليون إلي اثنين مليون قبطي,و بعد أن استتب الأمر لعمرو بن العاص في الأسكندرية، أرسل عقبة بن عامر إلي النوبة لفتحها و لكنه لم يستطع لشدة مقاومة أهلها الذين كانوا مهرة في النبال، و كانوا يوجهون نبلهم إلي عيون جنود الأعداء فسموا رماة الحدق.
حكم مصر
بعد إتمام فتح مصر، ولي عمر بن الخطاب عمرو بن العاص علي مصر. و عندما استتب له الأمر في الاسكندرية عاد إلي موضع فسطاطه عند حصن بابليون و شرع في بناء عاصمة لمصر بدلاً من الأسكندرية لأن الخليفة عمر بن الخطاب أمره أن يختار عاصمة لا تكون بينها و بينه ماء..اختار عمرو بن العاص موقعاً بالقرب من حصن بابليون غرب جبل المقطم ليبني حاضرته الجديدة و أسماها الفسطاط و تعني الخيمة..ثم سار عمرو بن العاص بجيشه تجاه برقة و كان يسكنها البربر الذين عانوا طويلاً من الطغيان البيزنطي، فتفاوض عمرو مع زعماء البربر الذين رحبوا بالفتح الإسلامي العربي و وافقوا علي دفع الخراج لعمرو و كان حوالي 13 ألف درهم و كان ذلك عام 643 م / 22 هـ.. بعد ذلك أكمل عمرو بن العاص مسيرته إلي الغرب لفتح طرابلس، فدخل بنفسه مدينة طرابلس دون مقاومة سنة 643 م / 22 هج. وبعد تأمينها أرسل بعثة إلي ولاية فزان ( جنوب غرب ليبيا) بقيادة عقبة بن نافع ففتحها و كان بها أحد أقوي الحصون البيزنطية.
الفسطاط عاصمة مصر
استمرت الفسطاط في الاتساع و الازدهار و أصبحت مركزاً للتجارة حتي أحرقها شاور وزير الخليفة الفاطمي العاضد خوفاً من استيلاء الصليبيين عليها سنة 1168 م ..كما بني عمرو بن العاص أول مسجد في مصر و إفريقيا و هو جامع عمرو بن العاص في وسط مدينة الفسطاط سنة 642 م / 21 هـ. و عندما بني المسجد لأول مرة كان له ستة أبواب، و به ساحة غير مسقوفة، و كانت أعمدته الداخلية من جذوع النخل و سقفه من الجريد. و يقال أنه وقف علي إقامة قبلته ثمانون رجلاً من الصحابة، منهم : الزبير بن العوام، و المقداد بن الأسود، و عبادة بن الصامت، و أبو الدرداء، و أبو ذر الغفاري...كما أعاد عمرو بن العاص حفر القناة التي كانت تصل بين النيل و البحر الأحمر و سماها قناة خليج أمير المؤمنين..دامت ولاية عمرو بن العاص الأولي علي مصر حوالي أربع سنوات، حتي عزله عثمان بن عفان. الذي ولي عبد الله بن سعد بن أبي السرح علي مصر سنة 24 هـ. .واستمرت ولايته حوالي عشر سنوات، حتي قُتل عثمان بن عفان عام 35 هـ ، ثم قام علي بن أبي طالب بعزله و ولي قيس بن سعد بن عبادة ,ثم ولي عليها الأشتر النخعي و كان الأشتر مشهوراً بشجاعته و اقدامه و انحيازه لعليٌ في موقعة الجمل. فبعث معاوية بن أبي سفيان إليه من يقتله عند قدومه إلي مصر. و بالفعل مات الأشتر بسم دُس له في العسل ,وبعد اغتياله ولي علي بن أبي طالب محمد بن أبي بكر علي مصر سنة 37 هـ. و كان فتي في الخامسة و العشرين من عمره، قليل الخبرة ,و في عام 40 هـ قُتل علي بن أبي طالب علي يد عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج، و هو يدخل مسجد الكوفة ليصلي الفجر. و خلفه ابنه الحسن الذي تخلي عن البيعة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هج حقناً لدماء المسلمين. و بذلك اجتمعت الخلافة و البيعة لمعاوية بن أبي سفيان من كل المسلمين.
ولايته الثانية ووفاته
عاد عمرو بن العاص لولاية مصر بعد أن تولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة، و أصبح لعمرو بن العاص ولاية مطلقة في مصر، و سمح له معاوية أن يبقي علي خراج مصر بعد المصروفات و لا يرسل منه شيئاً إلي دمشق ومكث عمرو بن العاص في ولايته الثانية لمصر حوالي 4 سنوات و توفي سنة 43 هـ / 663 م ,و قيل أنه عندما شارف علي الموت جعل يذكر تحالفه مع معاوية بن أبي سفيان ضد علي بن أبي طالب و يبكي. فقال له ابنه عبد الله: أتبكي جزعاً من الموت ؟ فقال : لا و الله و لكن مما بعده ,و جعل ابنه يذكره بصحبته رسول الله صلي الله عليه و سلم و فتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت علي ثلاثة أطباق ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شئ كافراً و كنت أشد الناس علي رسول الله صلي الله عليه و سلم، فلو مت حينئذ لوجبت لي النار، فلما بايعت رسول الله صلي الله عليه و سلم، كنت أشد الناس منه حياءً ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس : هنيئاً لعمرو، أسلم علي خير و مات علي خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء فلا أدري أعليٌ أم لي. فإذا مت فلا يُبكي عليٌ و لا تُتبعوني ناراً، و شدوا عليٌ إزاري فإني مخاصَم، فإذا أوليتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جذور و تقطيعها استأنس بكم حتي أعلم ما اراجع به رسل ربي. “