خواطر ايمانية

الأمة فى ذكرى المولد النبوى الشريف

• إن إحياء ذكرى مولد الرسول هذا العام ليس من باب استحضار ماض نسيناه لأننا كثيراً ما نردد ذكره فى الأذان والإقامة والشهادة والصلاة والدعاء وغيرها , كذلك فهو ليس لتكرار سرد أحداث تاريخية و وقائع ألفنا سماعها , وإنما نتوقف عند حلول هذه الذكرى العطرة هذا العام للتأمل والتدبر لكى نتعلم ونأخذ المواعظ التى تضئ لنا الطريق للخروج من ظلمات الفتنة والانقسام التى تعيشها الأمة هذه الأيام , فلم تكن رسالته ز دينية فحسب بل كانت رسالة إصلاح وإرشاد وتهذيب , هيأت لحياة فاضلة ومكنت لقافلة الحياة أن تسير كريمة عزيزة , فوحدت بين قلوب متنافرة وقبائل وأحزاب متفرقة ونزعت من القلوب الأحقاد والضغائن فكونت أمة متماسكة عزيزة الجانب أرست قواعد الحق والعدل بين الناس على دعائم قوية من العلم والمعرفة تحمل كل معانى الخيرية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )
• إن خير ما نحيى به ذكرى ميلاد النبى ز أن نسير على خطاه ونهتدى بهديه ونفتدى بسنته لمواجهة ما نعانيه من قصور فى مختلف نواحى الحياة السياسية والإقتصادية و الأمنية وغيرها وذلك امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: ( لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) 0
وجدير بالذكر أن الأمر بطاعة واتباع الرسول لم يكن قاصراًعلى قومه وزمنه فحسب بل هو رسالة إلهية للبشر عامة خالدة خاتمة وإلى يوم القيامة لقوله تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَآفّةً لّلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) هذا بخلاف سائر الأنبياء – عليهم جميعاً السلام – فقد بعثهم الله لمراحل موقوته , ولأزمنة محددة , ولأقاليم معينة , وأقوام مخصوصوين (وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً , وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ,إِنّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ)
• قال تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )0 وإن إتباع الرسول ز يتمثل فى الاقتداء بسنته قولاً وعملاً فكلها وحى إلهى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ) وهى ترشدنا و تعلمنا وتقودنا إلى حياة كريمة فتجعل لنا من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً , وما أحوجنا لكل هذا فى هذا الزمن أفراداً و جماعات , وأمماً0
• حديث قدسى يحمل فى طياته نصيحة غالية هى مفتاح السر العظيم الذى يضئ لنا طريق الخير إن شاء الله , تلك هى " التقرب إلى الله " الذى يورث حب الله لعبده المؤمن ومن ثم صلاح أحواله فى الدنيا و الآخرة00 يقول ز فيما يرويه عن رب العزة فى الحديث القدسى ( ما تقرب إلى عبدى بشئ أحب مما افترضته عليه , ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها – وفى رواية ولسانه الذى ينطق به وقلبه الذى يعقل به – وإن سألنى لأعطيته وإن استعاذ بى لأعيذنه وإن دعانى لأجيبته ) , و المتدبر لمعانى الحديث القدسى الشريف يجد فيه ثلاثة أمور: كيفية التقرب , النتيجة , الأجر:-

1- التقرب إلى الله:
ويكون بأداء الفرائض وعلى رأسها الصلوات الخمس فى أوقاتها وخصوصاً صلاة الفجر (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) 00 وقال تعالى:
2- (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب) وقال ز ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ثم باقى الفرائض من زكاة وصيام وحج , ومما يزيد العبد المؤمن التقى النقى تقرباً إلى الله تعالى العبادات التطوعية أى غير المفروضة وعلى رأسها القيام فى الثلث الأخير من الليل لصلاة التهجد والاستغفار و الدعاء , وكذا صيام وصدقات التطوع – ولو بشق تمرة , وقراءة القرآن , مع الالتزام بمعاملات و أخلاقيات الإسلام مثل بر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإصلاح بين المتخاصمين وكفالة اليتيم وزيارة المرضى وتشييع الجنازة , والصدق والعدل والأمانة والعفة وسائر الأخلاقيات الحميدة , وإجتناب كل ما نهى عنه الشرع كتاباً وسنة , قولاً وعملاً , ومن الأعمال التى تقرب إلى الله تعالى عدل الراعى فى رعيته سواء كانت رعيته عامة كالحاكم, أو خاصة كعدل آحاد الناس فى أهله وبيته وعمله , قال تعالى: (الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ) , وقال ز ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ( إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل)0
3- النتيجة:
وعد الله عباده المقربين إليه بمنحة ربانية جليلة القدر عظيمة الشأن هى حب الله لهم وهى تحمل كل معانى الرحمة والغفران فى الدنيا والآخرة , وقد تحدث القرآن الكريم عن ثمانية يحبهم الله تعالى بقوله : إِنّ اللّهَ يُحِبّ :- المتقين – المحسنين – الصابرين – الشاكرين – التوابين – المتطهرين – المتوكلين – المقسطين 0
4- الأجر:
فى الدنيا يكون له القبول والمودة والمحبة لدى كل من يتعامل معهم فى الأرض لقوله تعالى (إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَـَنُ وُدّاً) , وفى الحديث الشريف ( إذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال :إنى أحب فلاناً فأحبه , فيحبه جبريل , ثم ينادى فى السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه , فيحبه أهل السماء , ثم يوضع له القبول فى الأرض) - ومعنى ما جاء بالحديث الشريف كنت سمعه وبصره ويده ورجله ولسانه وقلبه هو أن يمتلئ قلب العبد المؤمن و جوارحه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه ويستشعر معيته ورقابته فى كل وقت فى رخائه فيشكره , وفى شدته فيتضرع إليه حتى يصير فى قلبه من المعرفه مشاهداً له بعين البصيرة , ومن ثم فلا يستخدم هذه الجوارح إلا فيما يرضى الله جل و علا كما يجعل له نوراً يستطيع به أن يميز بين الخبيث و الطيب و الحرام والحلال , فإذا وصل العبد إلى هذه المنزلة اقتضى أنه إذا سأل الله شيئاً أعطاه و إذا دعاه بشئ أجاب دعاءه فيما يراه سبحانه صالحاً له و ذلك لكرامته على الله تعالى , و فضلاً عن ذلك فإنه إذا استعاذ به من أذى و وساوس شياطين الإنس و الجن أعاذه الله من كل ذلك ومن الوقوع فى أى معصية هو ومن يدعو لهم (إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىَ بِرَبّكَ وَكِيلاً) (إِنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ) 5- إن صلاح أحوال الأمة فى شتى نواحى الحياة يبدأ من الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة ثم الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين وذلك بالرجوع إلى الله و التقرب إليه جل وعلا بالتوبة النصوح و الالتزام بشرعه و اتباع سنة نبيه ز فى العبادات و المعاملات و السلوكيات قولاً وعملاً – كل هذا مع الأخذ بالأسباب بالعمل والاجتهاد و الإخلاص فى سبيل تحقق ما نصبوا إليه من عزة وكرامة وأمن ورخاء لقوله تعالى (وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ) 0 والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل , وأن يهئ لنا من أمرنا رشدا0 وأن يحفظ الأمة ويكشف الغمة , إنه سبحانه ولى ذلك والقادر عليه , وهو على كل شئ قدير وبالإجابة جدير , وهو نعم المولى و نعم النصير , وصلى اللهم وسلم على صاحب الذكرى العطرة وعلى آله وصحبه أجمعين0
م/ رزق الشناوى