خواطر ايمانية

دروس الهجرة

• مع إشراقة العام الهجرى الجديد تطل علينا ذكرى حادث إسلامى عظيم غير مسار الدعوة الإسلامية و أحدث تحولاً جزرياً فى تاريخ البشرية – ذلك هو هجرة الرسول النبى محمد عليه الصلاة و السلام من مكة إلى المدينة المنورة عام623 ميلادية وهو فى الثالثة و الخمسين من عمره الشريف , بعد أن أمضى ثلاثة عشر عاماً فى مكة يدعو إلى توحيد العبادة لله , و بما يوحى إليه من قواعد الدين و الشريعة الإسلامية السمحة من عقيدة و عبادات و معاملات و أخلاق لهداية البشر و إخراج الإنسان من ظلمات الجهل و الكفر إلى نور الإيمان , و أسلم معه القليل , و لكن الأغلبية من الكفار و مشركى قريش قابلوا الدعوة بالمعارضة الشديدة لرسول الله و الإيذاء الذى أشتد بعد وفاة عمه أبى طالب وزوجته السيد خديجة , فكان أن أوحى الله إليه بالهجرة إلى المدينة المنورة لاستكمال نشر الدعوة فى مناخ أكثر قبولاً و أوفر أمناً0
• اقتضت الحكمة الإلهية أن تجعل فى أحداث الهجرة النبوية دروساً و مواعظ ترشدنا و توجهنا وتعلمنا سنن الحياة كما كان يتعامل معها رسول الله ( ص ) } لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنه { 0
• و من هذة الدروس :-
1- الأخذ بالأسباب لتحقيق الغايات و بلوغ الأهداف , وذلك بإخلاص النية و إعمال العقل بالتفكير و التخطيط و الشورى ثم التنفيذ بالكد و الاجتهاد و إتقان العمل – كل ذلك مع البعد عن كل ما يغضب الله , ثم المتابعة و الصبر حتى يتحقق وعد الله بالنصر ( و كان حقاً علينا نصر المؤمنين ) مع اليقين بأن النتائج تكون وفق مشيئة الله و بما يراه تعالى صالحاً للعباد , فقد كان الله تعالى قادراً على أن يزيح عن طريق رسول الله ( ص ) كل معارضيه من كفار قريش دون الحاجة إلى الهجرة و مشاقها و أخطارها , كما كان من اليسير عليه سبحانه أن ينقله من مكة إلى المدينة فى طرفة عين أو أقل كما حدث فى معجزة الإسراء و المعراج, و لكنه كبشر وجبت عليه سنة الله فى خلقه( و قل إعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون ) , كذلك فإن على طالب العلم أن يجتهد و يذاكر دروسه حتى ينجح , و كذلك المزارع فى حقله و العامل فى شركته أو مصنعه و الجندي فى موقعه, و كل إنسان فى مجال عمله لابد أن يبذل كل مافى وسعه بكل الوسائل المشروعة بإتقان ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً )
2- من دروس الهجرة حسن اختيار الرفيق قبل الطريق , فقد كان الرسول ( ص ) مؤيدا من رب العزة بحفظه و رعايته ( و الله يعصمك من الناس ) , و من ثم فلم يكن فى حاجه إلى رفيق من البشر سواء كان مقيماً أو مسافراً , و لكن الهجرة تعلمنا سنة حميدة و هى ضرورة أن يكون لكل منا صديق تقى عاقل أمين مخلص يستشيره و يأنس إليه و يلجأ إليه فى شدته و يأتمنه على أسراره , و يشاركه فى سروره ويواسيه فى أحزانه , فقد إختار النبى ( ص) صاحبه أبا بكر الصديق ليكون رفيقه فى هذه الرحلة , و من قبل كان مع الخليل إبراهيم ابن أخيه لوط عليهما السلام , و كان مع موسى أخوه هارون عليهما السلام , و كان مع عيسى ابن خالته يحيى عليهما السلام0
3- من دروس الهجرة أن المرأة يمكن أن يكون لها دور فعال إذا أحسن توظيف إمكاناتها و قدراتها , فهذه أسماء بنت أبى بكر كانت تحمل الطعام و الشراب إلى غار ثور حيث كان يختبئ رسول الله ( ص ) و صاحبه 0
4- من دروس الهجرة إباحة الاستعانة بغير المسلم فى أمور الدنيا فقط إذا كان ذا خبرة خاصة أو علم لا يتوفر لغيره من المسلمين , فقد استعان صلى الله عليه و سلم بالمشرك عبد الله بن أريقط ليكون دليلاً له فى رحلة الهجرة و ذلك لخبرته فى الطرق الصحراوية 0
5- التعامل مع اليتامى 0 كان رسولنا الكريم القدوة و الأسوة الحسنة عندما أصر على دفع ثمن الأرض التى بنى عليها مسجده فى المدينة المنورة , و ذلك عندما علم أن أصحاب الأرض يتيمان أعربان عن رغبتهما فى التبرع بها , ولكنه رفض ذلك حفاظاً على أموال اليتامى و عملاً بقوله تعالى ( و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن )
6- هناك نوع أخر من الهجرة و هو الهجرة المعنوية لقوله تعالى ( و الرجز فاهجر ) , و الرجز هو كل قبيح , و قوله ( ص) } المهاجر من هجر ما نهى الله عنه { هجر من الشر إلى الخير , من الكذب إلى الصدق , من الحرام إلى الحلال , من الرذيلة إلى الفضيلة , من الظلم إلى العدل , من الكفر إلى الإيمان من المعصية إلى التقوى و ذلك بالامتثال لأوامر الله و اجتناب نواهيه , و يأتي على رأس ذلك الالتزام بإقامة الصلوات الخمس فى أوقاتها و نبذ آفات اللسان من كذب و غيبة و نميمة , مع سائر العبادات و المعاملات و الأعمال الصالحة و فضائل الأخلاق و السلوكيات الإيمانية 0
وبالله التوفيق , و كل عام و الجميع بخير
م/ رزق الشناوى