الواحة

"يوميات جارى الغلبان"

بعد أن صلى عم احمد الفجر وقرأ القرآن استيقظت زوجته فوزية لتبدأ يومها بالدخول للمطبخ لتعد طعام الإفطار ويدخل عم احمد غرفة ابنه كريم ويقترب منه ويقول "صحى النوم عشان متتأخرش على المرسة" وبعد أن ينتهى كريم من ارتداء ملابسة يلتفت إلى أخته سماح ويمسك يدها فتفتح عينيها لترى ابتسامة كريم وهو يعطيها اشارات لتستعد للذهاب للمستشفى للكشف عليها بعد ظهور بقع حمراء على جلدها وطبعا لايستطيع عم احمد ان يترك سماح لأى تعب ممكن أن تشعر به لأنه دائما يتذكر كيف اصبحت ابنته سماح بعد ان ارتفعت درحة حراراتها بعد ولادتها بشهرين مما أثر على قدرتها على النطق نتيجة اهمال أو ممكن يكون القدر والنصيب ولكن لم يتركها عم احمد بل دائم الذهاب بها لمعهد الصم والبكم ثلاث مرات اسبوعيا .وما ان انتهت فوزية من إعدادها للفطار فنظر كريم للفطار وقال " هو كل يوم بطاطس محمرة أو مهروسة أوفول أو طعمية مفيش مرة تيجى تقوليلى الفطار النهاردة لانشون ولا جبنة رومى ، بيض ولاجبنه شيدر اللى بنسمع عنها وياسلام لو رجعت من المدرسة ولقيت الغدا لحمة . . انا عارف ان الحاجات دي فى المواسم بس" فقالت فوزية "كل يوم لازم اسمع منك الكلام ده غير انت مره وشوف هعملك ايه" فرد عم احمد " سيبيه السنه دى ثانوية عامة واحنا عايزينه متفوق على طول" وضحك الجميع وانصرف كل إلى حاله وتوجهت فوزيه إلى عملها فى احدى المصالح الحكومية وكريم إلى مدرسته وعم احمد مع سماح للمستشفى .
وبعد ماترك عم احمد اوتوبيس واثنين وثلاثه لزحامهم الشديد صمم على ركوب الرابع وأخذ بيد سماح لتصعد وهو وراءها يسندها ، وعند الوقوف فى المنتصف وضع يدها لتمسك بحديد الكرسى ولكن لحظها الحلو أول ما الراكب شعر ان سماح لاتتكلم قام وجلست سماح مكانه ، المهم وصل عم احمد المستشفى وذهب لشباك التذاكر لأخذ تذكرة كشف جلدية وبحث مع سماح عن مقعد لتنتظر دورها بس لللأسف المقاعد قليلة جدا وهى عبارة لوحين خشب واحيانا لوح واحد وانت وحظك اما يكون فيه مسند أو من غير والأغلب من الناس مفترشى الأرض فى انتظار دورهم فى الكشف "باطنه ،قلب رمد ،جلدية، . . " كله واقف على بعضه ، وبعد فترة ليست بقليله استطاع عم احمد أن يجلس سماح ومرت ساعات طويلة ودخلت سماح حجرة ضيقة وطبيب يجلس على كرسى خشب وامامه ترابيزه ايديال متهالكه وامكانيات معدومه فى الشكل والمضمون تعطى الأطباء العاملين فى المستشفيات الحكومية جائزة الصبر على أداء مهمتهم الشاقة تحت هذه الظروف ، وأخذ عم أحمد الروشتة وتوجه إلى صيدلية المستشفى ووقف امامها فى طابور طويل وفى النهايه أخذ كيس نايلون شفاف به مجموعة من الأقراص المختلفة وعلبة مرهم ، وتنهد عم احمد بحصوله على دواء سماح وما أن خرج من باب المستشفى ابتسم "بتاع البطاطا أهو هى دى اللى هتدفينا" .
ووصل بيته فى الساعه الثانية ظهرا وكان كريم قد عاد من مدرسته "كويس انك موجود أن رايح المحل خلى بالك من سماح" . ودخل عم احمد إلى محله فى أحد الشوارع الجانبية من الشارع الذى أسكن فيه وأضاء لمبه نيون على الحائط تساعد لمبه صغيرة فى سقف المحل لتعطى أضاءة لأن المحل برغم أنه صغير وكراكيب فيه كتيره قوى وجدرانه لم يتغير لونها من أكثر من ثلاثين عاما وسندره لا فائدة منها الآن كان زمان فيها إثنين مساعدين لعم احمد اصل المحل كان زمان ترزى رجالى ومع انقراض المهنة وكل الناس دلوقت بتشترى الجاهز ولم يتبقى من المحل إلى ماكينه صغيرة يقوم عم احمد بإصلاح وتضيق وتوسيع وثنى البنطلونات وأشياء من هذا القبيل ، وعند شرائى لأى بنطلون جديد لازم أروح لعم احمد ليقوم بثنى البنطلون .ودائما عم احمد يفتح تليفزيون صغير وهو شغال ويتابع الأحداث كلها وهوايته ماتشات المنتخب لما كان فى مجده وأى فرقة تقابل المنتخب يرد عم أحمد ويقول احنا "هنفرمهم ده المنتخب مفيش فرقة تقف قصاده ابدا" وياسلام لما يسمع أم كلثوم ويقول هو ده الغنى الحقيقى مفيش حد زيها وأحيانا يذهب إلى القهوه المجاوره لمحله يلعب عشرتين طاوله وأول ما حد يقف قصاد المحل تلاقى عم احمد فى ثانيه واقف أمام المحل أصله دائما عينه على المحل
وفى مره كنت عنده ولقيت راجل زى عم محمد فى مظهره وقاله حسابك كام ياعم احمد قاله اعتبر الفلوس وصلت ربنا يسهلك فنظرت لعم احمد وقلت فى عقلى هو فيه كده غلبان بيعطف على غلبان . . انت كل دخلك 5 جنيه من هنا واربعه من هناك لكن دايما يقول الرزق ده بتاع ربنا وأحنا أحسن من ناس كتير وعمره ما اشتكى من صعوبة الحياة ولا ارتفاع الأسعار ، ازاى عم احمد عايش بالجنيهات القليلة مع مرتب زوجته لا يتعدى ثلاثمائة جنيه تصرف مائه على المواصلات ، قد تبدو لنا أنها حياه صعبة وهى صعبه بالفعل لكن عم احمد ربنا أنعم عليه بنعمة الرضا بالمقسوم رضا عن إيمان فأقل القليل يسعده لو كل بطاطا أو شرب عصير قصب هو راضى ومبسوط زى كل المصريين مسالمين وراضيين لكن لوفكرنا وقلنا
• فيها أيه لو عم احمد وسماح وقف على محطة الأتوبيس 5 دقائق ويركب أتوبيس نظيف بدل اتوبيسات يوم الحشر التى نشاهدها ليل نهارفى شورارعنا مع العلم بأن المصريين يقضون ربع عمرهم فى المواصلات .
• فيها أيه لو راح المستشفى ومعه كارنيه سماح أول ما يقدمه للموظف يظهر امامه على شاشة الكمبيوتر ملف سماح وتاريخها المرضى والأدوية والأطباء المعالجين، مستشفى معد لأستقبال مرضى بها كافة وسائل الراحة للتخفيف من عذاب المرض .
• فيها ايه لو ذوى الاحتياجات الخاصه أى كان نوع وحجم الإعاقة لهم رعايه فائقة من الدولة وتكون مسئوليتها كاملة من رعاية وتأهيل لأن لهم حق الحياة على ارض هذا الوطن .
• فيها أيه لو عم احمد ضمن معاش يكفل له ولأسرته حياه كريمه حينما يصل به السن لعدم القدرة على العمل.
• فيها ايه لو عم احمد توافرت له الحد الأدنى من وسائل الترفيه يستطيع ان يقضى هو واسرته وقتا سعيدا فى حدائق "بجد" مفتوحه من غير أى رسوم مثل مانشاهده فى بلاد العالم المتحضر .
• فيها ايه لوتوفرلعم احمد الطعام الصحى المناسب " مش ملىء البطون وخلاص" وده الحد الأدنى للحياه الأدميه ،ممكن يكون فيه غلاء فى السكن فى الملابس. . ولكن فى بلاد العالم كله الطعام متاح لأقل دخل موجود فى البلد .
• فيها أيه لو اخدنا بأيد من يعيشون تحت الارض ليعشوا فوق الارض الذى خلقها الله لينعم الانسان بها ، واذا تحققت هذه الاشياء لن نحصل على "المدينة الفاضلة" ولكن زى مافيه الحلو فيه المر وزى مافيه الخير فيه الشر فبأيدينا نحن نجعل الحياة الرمادية اللون ان تقترب من اللون الابيض اكثر من اللون الاسود ، ولما لا يكون حاضرنا مثل أجدادنا الفراعنة يعلو فيه قيمة الانسان فوق كل شىء فالعدالة الاجتماعية أن تكون مصر ملك المصريين جميعا وهى دى مصر الجديدة التى نحلم بها اللى فيها عم احمد وملايين زى عم احمد والتى جعل العالم كله يقول مصر محروسه بناسها الطيبين .
الهام المليجى
إدارة العلاقات العامة والإعلام