الواحة

فاطمة . . . . التى لا يعرفها أحد

توالت على مصر العديد من أنظمة الحكم المختلفة والعديد من الملوك والرؤساء ، ولكن يبقى أسم "محمد على باشا" هو صاحب النهضة الحديثة فى مصر، فقد آمن أن بالعلم وحده تنهض الأمم ، وبالعلم وحده تتحقق التنمية وبالعلم وحده تتقدم الشعوب ، فأنشئ المدارس الابتدائية والعليا و مدارس للهندسة والطب والعلوم والكيماء والصيدلة بالإضافه إلى إرسال الكثير من البعثات للخارج فى كافة مجالات العلوم والفنون ليقودوا حركة التنوير بعد ذلك وأراد "محمد على" أن ينقل أسباب تحضر وتقدم هذه الدول ليحاكى مثلها فى مصر . وحكمت أسرة "محمد على" مصر لسنوات عديدة ونجح بعضهم وأخفق البعض وآمن آخرون بأهمية الثقافة والعلم مثل "الخديو اسماعيل" الذى أنشىء أول مجلس نيابى وأول وزارة بمفهومها الحديث وأنشأ الطرق واهتم بنواحى الثقافية فأنشئ دار الأوبرا وتم افتتاحها بحضور العديد من الملوك وسط احتفال أسطورى والذى ظل عالقا فى الأذهان لوقتنا هذا وربط هذا الاحتفال بفترة حكم "الخديو اسماعيل" واغراق مصر بالديون . ولكن لا ينكر أحد أن مصر قد بدأت فى ذلك العصر أولى خطواتها نحو العلم والمعرفة والثقافة والأميرة "فاطمة" هى أحد الذين ساهموا فى ازدهار تلك الفترة .
ولدت الأمير "فاطمة اسماعيل" عام 1853م وهى احدى بنات "الخديو اسماعيل ، وتزوجت وهى فى الثامنة عشر عاما من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا "والى مصر" وعرف عن الأميرة حبها للعمل العام والمشاركة فى أعمال الخير ورعايتها للعلم والعلماء ويعتبر ابنها "عمر طوسون" هو أكثر ابنائها تأثرا بها وكانت الاميرة تهتم بإقامة المجالس الثقافية والعلمية بصفة مستمرة والتى يحاضر فيها كبار علماء ومثقفى مصر وكان اهتمامهم الرئيسى هو كيفية تحقيق النهضة والتقدم لمصر لتنهض كسائر دول العالم المتقدم ؟ واجمعوا ان لا سبيل للتقدم إلا بإنشاء جامعة مصرية كما فى دول العالم ، فلا غنى عن الجامعة لبلاد تريد أن ترقى وتسلك نحو الحضارة الحقيقة وبذلك يتم فتح باب العلم أمام كل طالب فى كافة مجالات العلوم والفنون والأداب ولكن كيف يتسنى لنا تحقيق حلم بعيد المنال؟
ومرت فكرة إنشاء جامعة مصرية بين مجرد الحديث عن هذا الحلم إلى محاولة التنفيذ الفعلى له بقيادة قادة العمل الوطنى وأصحاب حركة التنوير والثورة الاجتماعية مثل محمد عبده ، مصطفى كامل ، محمد فريد ،قاسم أمين ،سعد زغلول ، وبدأت أولى خطوات التنفيذ حينما تبرع أحد وجهاء المجتمع بمبلغ 500 جنيه وتوالت التبرعات بعد ذلك من صفوة المجتمع وتم تشكيل لجنة تحضيرية شكلت من سعد زغلول وقاسم أمين وغيرهم إلى أن بلغت التبرعات 4485 جنيها وتبرع العلماء والمشايخ فبلغت التبرعات 8000 جنيها وهنا اتفق الجميع ان هدف الجامعة هو العلم فقط ولذلك تنحى سعد زغلول عن منصبه لقاسم امين بعد تعينه فى وزارة المعارف لعدم اعطاء صبغة سياسية على المشروع لتكون ذريعة للانجليز لأجهاضها . وفى عام 1907 تولى "الخديوعباس حلمى" رعاية المشروع وعين الامير "احمد فؤاد باشا" رئيسا لها وتحرك المشروع بخطى اسرع وبدأت بارسال البعثات للخارج ومن أوائل المبعوثين "طه حسين" وافتتحت بالفعل الجامعة الأهلية عام 1908 وكان يدرس الطلاب فى عدة أماكن فى القاهرة إلى ان استقرو على مقر مؤقت لهم "وهو مكان الجامعة الامريكية حاليا" ، ونظرا للايجار المرتفع وقتذاك والذى يمثل عبىء على الميزانية التى كانت تعانى ما بين فترة وأخرى من عجز وذلك مع تزايد طلابها سواء المصريين أو الوافدين من الخارج .
* دور الاميرة فاطمة
وفى هذا الوقت ظهر دور الاميرة فاطمة عندما اخبرها طبيبها الخاص بعجز ميزانية الجامعة والتى تهدد بتوقفها إذ استمر الحال كما هو دون مساعدات جادة ، فقررت الاميرة أن تخصص 661 فدانا من أجود الاراضى الزراعية ليصرف ريعيها على الجامعة بالاضافة إلى 3357 فدانا والتى خصصتها للصرف على المشروعات الخيرية حتى بلغ اجمالى الايراد المخصص للجامعة 4000 سنويا .. وهنا بادر المهنسون المشهود لهم بالكفاءة بالتبرع بوضع تصميم وبناء الجامعة ، وفى عام 1914 وضع حجر الاساس للجامعة المصرية ووضع حجر الاساس "الجامعة المصرية، الاميرة فاطمة بنت اسماعيل سنة 1333 هجرية" وتحملت الاميرة نفقات حفل وضع حجر الاساس والذى حضره الخديو والقى امير الشعراء احمد شوقى قصيدته والذى قال فيها
"بارك الله فى أساس جامعة لولا الأميرة لم تصبح بأساس"
وبدأ بناء الجامعة بكليات "الأداب ثم العلوم ثم الطب ثم الحقوق " بالاضافة إلى مبنى إدارى واتفق على ان تكون المبانى على شكل الطراز العربى الاصيل ، وأن يتم بناء الاقسام الأخرى تباعا كلما سمحت الميزانية بذلك . وتحملت الاميرة تكاليف بناء الجامعة كاملة والتى قدر بـ 36 ألف جنيها وذلك بعرض بعض مجوهراتها للبيع ولكن مع تعثر بيعها داخل مصر ،تطوع طبيبها الخاص ببيعها خارج مصر وقدر ثمنها ب70 الف جنيها . وهكذا أنشىء المقر الحالى للجامعة المصرية والتى أفتتحت عام 1928 بعد وفاة الأميرة بثمان سنوات وأصبحت الجامعة المصرية جامعة حكومية وسميت بجامعة القاهرة وأصبحت منارة للعلم والمعرفة وأساس للنهضة العلمية بمصر والتى يفخر طلابها بإنتمائهم لهذه الجامعة العريقة والتى تتلمس فيها رائحة التاريخ والشموخ والزهو حينما تنظر إلى أبنيتها وتمشى فى شوارعها ، وأحتفلت جامعة القاهرة بالمئوية منذ سنتين واستعادت الآن مكانتها العالمية كأفضل 500 جامعة فى العالم ويقبل على الإلتحاق بها آلاف من الطلاب كل عام وبقيت جامعة القاهرة منارة للعلم والمعرفة فى مصر والعالم العربى وبقيت الجامعة شامخة يصفق لها الجميع ولم يرى أحدا من هى وراء الستار والتى ساهمت بجهدها ومالها لهذا الكيان العظيم وماتت الاميرة الكريمة . . التى لا يعرفها أحد من الاجيال الحالية .
الهام المليجى
إدارة العلاقات العامة والإعلام