خواطر ايمانية

علامات الساعة من المعجزات المستمرة "لرسول الله صلى الله عليه"(1)


عرف فضيلة الإمام الجليل محمد متولى الشعراوى ببلاغة كلماته وبساطة أسلوبه وجمال تعبيره وقد استطاع من خلال تقديم خواطره فى تفسير القرءان الكريم الوصول إلى أكبر شريحة من المسلمين فى جميع أنحاء العالم العربى وكلما أطل علينا الشيخ فى إحدى تسجيلاته القديمه والملائكيه يرتدى جلبابه الأبيض المتميز ويتكأ على أريكته ممسكاً بإحدى يديه كتاب الله والآخرى يشرح بها تتهافت عليه قلوبنا وحلقت حوله عقولنا من فيض ما فتح عليه الرحمن من فتوحات ربانيه
على أننا لابد أن نتوقف لنعرف أن للساعة علامات أنبأنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد تحققت العلامات الصغرى التى أنبأنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها .. أما العلامات الكبرى فهى لم تتحقق بعد .. بعض الناس هنا يتساءل : إذا كان علم موعد الساعة لايفيدنا , فلماذا تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علامات إقتراب الساعة : نقول : أن هذه الأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعطينا موعد الساعة . فإنها لا تقول لنا : إنه إذا تحقق كذا وكذا فانتظر الساعة بعد مائة عام أو ألف عام … ولكنها تذكرة لأولئك الذين سيعم الفساد بينهم كلما اقترب موعد الساعة .. تذكرة لهم تطالبهم بأن يتنبهوا جيداً إلى أن ما يحدث فى الكون هو من قدرة الله سبحانه وتعالى وإمتداد لرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حتى إذا قرأناها ورأيناها قد تحققت نقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ونتذكر المنهج الذى بعث به الله رسوله صلى الله عليه وسلم .. فنسارع بإتباع المنهج وتكون علامات الساعة هذه تذكرة لنا بصدق الرسالة التى بعث بها الرسول الكريم وتكون من المعجزات المستمرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلما تحققت نبوءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بمثابة معجزة جديدة لنا تثبتنا على الإيمان كما تثبت المعجزات التى حدثت فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابة رسول الله على الإيمان فكأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم متجددة وليست متجمدة بأشياء رواها تحدث الأن وأشياء رواها ستحدث فى المستقبل كلما حدث شئ قلنا : هذا حق ورسول الله حق وكانت لفته إيمانية تعيد الناس إلى المنهج الذى نسوه وتركوه بمرور الزمن ..إذن فالعلامات الصغرى للقيامة فيها تثبيت للإيمان .. وفيها إعجاز يفيق الناس الذين غفلوا عن منهج الله ولكن ليس فيها ما يمكن منه أن نحدد موعد يوم القيامة ربما يكون الموعد قريباً ..ولكن القريب عند الله بعيد عندنا مصداقاً لقوله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) الأيه 4 من سورة المعارج … وقوله تعالى : ( إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً ) الآيتان 6 و 7 من سورة المعارج , إذن فالقرب والبعد عند الله مختلف عن مفهومنا .. الساعة قريبة نعم بعد أن تحققت علاماتها الصغرى ولكن كم عدد سنوات هذا القرب لا أحد يدرى ! ولكن ما هى علامات القيامة الصغرى التى تحققت فى ملخصها أو إذا أردنا أن نضعها فى إطار عام هى إختلال الموازين وإنقلاب المبادئ فبهذا الكون موازين أخلاقية كان من المفروض أن تحكم الحياة بين الناس وكانت هى الطريق السوى الذى لابد أن يمضى بها هذا الكون ليصلح ..
هذه الموازين والقيم الأخلاقية التى كانت سائدة تختل وتهتز وتنقلب فيصبح ما هو مستنكر واقعاً وما هو واقع وحقيقة مستنكراً .. ترى الشح المطاع بأن كل إنسان لا يعطى ما عنده بل يبخل به وليس الشح هنا شح المال ولكنه شح فى كل شئ الصانع لا يعطى صنعته كل عمله وإتقانة والأستاذ لا يعطى تلاميذه كل ما يعلم بل يعطيهم إياه على قدر الأجر فجزء فى المدرسة وجزء فى الدرس الخصوصى وجزء فى الدرس الخاص جداً يبخل الناس بما لديهم فلا ينفقونه فى سبيل الله ولا يعطونه للفقير والمحتاج ويبخل العامل بعمله فتجده يستطيع أن يعمل ولكنه لا يعمل ويبخل الموظف بجهده فتجد أنه يستطيع أن ينتج ولكنه لا ينتج وكل عمل يبخل العاملون فيه بجهدهم فهناك بخل من كل ذى قدرة بقدرته وبخل من كل ذى علم بعلمه وبخل من كل ذى جاه بجاهه أى أن الانسان يكون فى مجتمعه مسموع الكلمة مطاع الأمر ولكنه يرفض أن يستخدم ما وهبه الله له فى مساعدة المحتاجين أو إنصاف المظلمومين أو قضاء الحاجات وهو يستطيع أن يفعل ذلك بكلمة واحدة ولكنه لا يفعل يجد الإنسان أنه يستطيع أن يرفع ظلماً يقع فلا يتحرك ليمحو هذا الظلم ويجد أنه يستطيع أن يقر الحق بشهادة يقولها ولكنه لا يذهب لأداء هذه الشهادة كل إنسان يبخل بما عنده لتنحدر الإنسانية بعد ذلك إلى أسفل السافلين لأن كل جيل سيأخذ من علم الجيل الذى قبله القشور وبهذا تضمحل الحضارات جيلاً بعد جيل هذا هو معنى الشح المطاع ولعلنا نشهده الأن فى الدنيا كلها ولعلنا نرى جميعاً أن كل جيل هو أقل عطاء من الجيل الذى قبله ويقل العطاء كلما مضت الأيام وهكذا نجد فى كل أوجه الحياة شحاً مطاعاً ينبئنا عن بداية إنحدار الإنسانية إلى الهاوية بينما المجتمعات التى سبقت كانت قائمة على العطاء بلا حدود حتى إن الأنصار عرضوا على المهاجرين أن يتنازلوا لهم عن نصف أموالهم وزوجاتهم بلا مقابل .