الواحة

زمن الكلام بدون ميزان

إجتمع فى بعض الزمان ملوك الصين و الهند و فارس و الروم فقال ملك الصين أنا على مالم أقل أقدر منى على رد ماقلت و قال ملك الهند : عجبت لمن يتكلم بالكلمة فإن كانت له لم تنفعه و إن كانت عليه أهلكته, و قال ملك فارس أنا إذا تكلمت بالكلمه ملكتنى و إذا لم أتكلم بها ملكتها , و قال ملك الروم : ما ندمت على ما لم أتكلم به قط و لقد ندمت على ما تكلمت به كثيراً و السكوت عند الملوك أحسن من الهذر ( الكلام الردئ الذى لا يعبأ به ) وأفضل ما استظل به الإنسان لسانه 00
هذه القصة و إن جاءت ضمن مجموعة القصص الشيقة التى ألفها الفيلسوف الهندى بيدبا و وضعها فى كتابة الشهير كليله و دمنه إلا أن المغزى منها كبير و عميق و خطير فى آن واحد لأن الكلام أصبح الآن مهنه و اللعب به وتشتيت الناس سار حرفة وقد ينحرف البعض خلال الثرثرة دون أن يدرى لما يقول فيملأ القلوب سخطاً و كرهاً و يلقيها البعض بقصد تحت مسمى حرية الرأى فيحدث فتنة نعم حرية الرأى و التعبير مكفولة للجميع و هو جزء أصيل فى كل أعراف و دساتير العالم و لكن هل معنى ذلك أن هذه الحرية طليقة العنان و بدون ضوابط بالطبع لا 000 فحريتى تنتهى عندما تبدأ حرية الأخرين00 فالكلمه أمانه و قد خاب من ضيعها أو سلبها حقوقها بالخروج بها عن النص سواء كان محاوراً أوكاتباً أو ناصحاً , و لنا فى رسول الله أسوة حسنة فقد كان يحاور و يجادل أعدائه عليه الصلاة و السلام بالحكمة و الموعظة الحسنة وينصح سفراؤه بقوله بشروا و لا تنفروا و يسروا ولا تعسروا و يعبر عن رفضه لأمر من الأمور لأحد من أصحابه دون أن يجرحه بالقول فيقول ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا وكان نعم الزوج و الأب و الجد فى لين الجانب و حسن العشرة , فالكلمة أمانة و ستحاسب عليها إذا خرجت من اللسان سواء كانت لفظاً أو كتابة أو إشارة و كثيراً ما تحمل الكلمة معنيين فإذا كنت ناصحاً أو محاوراً فأصب مالا يحمل ظنه00
الآن نحن نريد الكلمة التى تزرع فى نفوسنا قناديل الأمل و تدفعنا إلى العمل و العطاء لا التى تهوى بنا إلى ظلمات اليأس و الإحباط 00 نحن نريد أن نعلم أبناءنا لغة الحوار و الإنصات و قبول الرأى و الرأى الآخر دون توبيخ أو تجريح و قديماً قالوا الإختلاف لا يفسد للود قضية000 نحن نريد إعادة الشخصية المصرية إلى طبيعتها الساحرة و المتأصلة فى استقطاب العقول و القلوب و الإبتعاد عن الثرثرة و السفسطة و الجدل العقيم00 نحن نريد أن تكون النصيحة خالصة لوجه الله و الإلتزام بأدابها و التى فسرها الإمام الشافعى فى قوله تعمدنى بنصحك بإنفراد و جنبنى النصيحة فى الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
000 نحن نريد وقفة مع النفس و عدم الانسياق وراء ترويج الإشاعات و التأكد من الأخبار عند نقلها و العاقل الذى يحترم نفسه و يحفظ لسانه و يحرص على الوصول إلى الحقيقة لتكون أحكامه منضبطة000 و أخيراً نحن نريد كلمات تعلى قيم الحق و العدل و الخير على قيم الإنتصار للنفس و الهوى فى كل حواراتنا و ما أجمل و أعظم و أنبل الكلمات التى تلم الشمل و تدعو للتفاؤل و الأمل و العمل0
عمرو صبرى