خواطر ايمانية

بسم الله الرحمن الرحيم "المواطنة فى الإسلام"

- اقتضت الحكمة الإلهيه أن يكون التعارف والتعاون بين سائر شعوب العالم هو الفطرة السليمة التى خلق الناس عليها فقال تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ...) .
- والشعب مجموعة من الناس تعيش فى وطن واحد , يتولى أمورهم سلطة حاكمة , ولهم جميعاً نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات مهما اختلفت عقائدهم وأجناسهم , وهذه السلطة تنظم أمورهم الداخلية والخارجية بما يكفل لهم حياة كريمة , ولها أن تستعين بمن ترى من أهل الكفاءة والشورى ليعاونها فى أداء مهامها , والكل مسئول عن تحقيق كل أسباب الخير لأبناء الوطن , وفى الحديث الشريف ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ).
- المواطنة فى مفهومها العام تعنى المساواة بين كل أطياف الوطن فى الحقوق والواجبات دون تفرقة , وهى بذلك تكسب المواطن الذى يعيش على أرضه عدة حريات يشترط فيها عدم الانحراف بحريته انحرافاً يضر نفسه أو مجتمعه .
- ومن هذه الحريات مايلى :-
1 - الحرية الشخصية : وهى التى تخول للمواطن حق الحركة فى هذه الحياة بما يحقق مصلحته بعيداً عن الضرر والضرار لقوله تعالى :- ( هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) , فلا يجوز منعه من ذلك إلا بمسوغ قانونى , ولا يعتدى على حقوقه مالاً وعرضاً ونسباً .
2 - الحرية الدينية : بمعنى ممارسة المواطن لشعائر دينه فى حماية القانون فلا إكراه فى الدين , والسر فى هذه الحرية هى ثقة الإسلام بنفسه , فلا تضره العقائد الأخرى فى ظهورها وممارسة شعائرها مالم يكن هناك عدوان على الإسلام أو المسلمين لقوله تعالى ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ....) .
3 – الحرية السياسية : ومن مظاهرها الإنتخابات الحرة بكل مستوياتها بل والترشح للرئاسة , وتولى الوظائف القيادية مادام أهلا لها , وإبداء الرأى فى المشكلات وتوجيه النصح للقادة , وحقه فى المطالبة بعزل من لايصلحون لها ( وأمرهم شورى بينهم ) , والاعتراض على أى أمر بصورة سلمية ميدانيا ً دون تعطيل للمصالح أو التعدى على الأفراد أو المنشأت , أو داخل المؤسسات أو فى وسائل الإعلام .
4- الحرية الفكرية : بمعنى اعتناق المواطن ما يشاء من المبادئ والتعبير عنها بأية وسيلة بشرط الحفاظ على حق الغير وعدم الإضرار بالمجتمع أو الدعوة إلى منكر , أو المساس بالمقدسات , وللمواطن أن يتعلم ما شاء من العلوم وأن يعلمها لغيره بشرط عم الضرر والضرار .
5 – الحرية المدنية : وهى التى يعبر عنها بحرية المسكن والملبس والتصرف والتملك فى إطار القوانين المشروعة وبما لا ينتج ضرراً بالنفس ولا إضراراً بالغير .
- المواطنة والمساواة : فكما أن المواطنة تكسب المواطن عدة حريات , فهى أيضاً تفرض المساواة بين الناس وهو تكافؤهم فى الماهية الإنسانية والدينونة لخالق واحد , فأصلهم واحد وهو آدم , وآدم من تراب وخالقه هو رب واحد وهو خالق الناس والكون ومافيه ولا شريك له , ومظاهر المساواة وتطبيقاتها كثيرة منها :
- المساواة أمام القانون : بمعنى أن يعامل كل إنسان بمقتضى القانون بصرف النظر عن المنزلة الاجتماعية وغيرها , فالأساس هو العدل وعدم المحاباة لقوله تعالى ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ... ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ... ) , وفى الحديث الشريف ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) , ومما يتبع ذلك المساواة أيضاً فى الإستماع إلى الشكوى والدفاع وكافة الإجراءات القضائية والأحكام .
- المساواة فى الواجبات : مثل دفع الضرائب والخدمة العسكرية وغيرها مما لا يجوز إستثناء أحد منه بدون وجه حق , وقد جاء فى القرآن الكريم أمثلة من مسوغات الإعفاء من بعض الواجبات ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) . وقد ربط الإسلام بين التكليف والاستطاعة فى العبادات والمعاملات وغيرها ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها – لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ).
- المساواة فى الوظائف : فتكون بالكفاءة والجدارة وموعد الاستحقاق , ولا بالحسب والنسب والانتماء والمصالح الشخصية , وفى الحديث الشريف ( من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين )- أرضى الله من حيث الدين والكفاءة معاً .
- المواطنة والأمن : إن من أركان المجتمع السليم التى تطبق فيه المواطنة بكل أركانها أن تقوم الدولة بتوفير الأمن لجميع المواطنين والمنشآت والممتلكات كما يحرص فيه المواطنون على توفير الأمن بين بعضهم البعض , الأمن العام الذى تطمئن إليه النفوس وتسكن فيه القلوب ويأنس به الضعيف , فالخوف يعطل الناس عن مصالحهم ويحجرهم من تصرفهم , والأمن يكون بالحفاظ على النفس والمال والعرض والدين , والأمن الداخلى هو أساس للأمن الخارجى , فالجبهة الداخلية إذا كانت آمنة مطمئنة مستقرة تفرغت الدولة لحراسة الحدود وصد المعتدين , ومن أجل تحقيق الأمن جاء الإسلام بالعقوبات الرادعة لكل من يتعدى الحدود , وفى الحديث الشريف ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) – والدولة التى تقيم مبدأ المواطنة كاملاً ترعى كافة الحقوق وتحرسها من التعدى وتأخذ الجانى بما جنت يداه وتعاقبه مهما كان منصبه ليرتدع به الآخرون ومن ثم ينصلح أمر المجتمع وتستقيم الحياة لقوله تعالى ( ولكم فى الحياة قصاص يا أولى الألباب ) , ومما يساعد على إستتباب الأمن توفير كل مطالب الحياة الأساسية من غذاء وكساء ومسكن وتوفير فرص العمل , كل ذلك يقوى الروح الجماعية ويبعث على الطمأنينة والشعور بالأخوة بين مختلف أفراد المجتمع , وبينهم وبين السلطات وفى الحديث الشريف ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ) وما ورد على الحث على الصدق والأمانة والوفاء والحلم والعفو والبر والعدل وقضاء المصالح والإصلاح بين الناس والنهى عن كل ما يفرق .